عقود الإقراض النقدى بضمان الأطيان الزراعية فى أوكسيرينخوس إبان عصر الرومان "ملخص" كانت أهمية مصر بالنسبة لأباطرة روما بالغة الأهمية، فوضعوا لها نظاما اقتصاديا فريداً ونقوداً "رمزية" لا يتم التعامل بها إلا فى داخل مصر. ومن جهة أخرى استهدف الرومان إلى تكوين طبقة من ملاك الأراضى والتجار ومن على شاكلتهم، من أجل تكوين كوادر لشغل المناصب الشرفية فى المحليات والبلديات، وذلك كله فى إطار نشر الرومنة فى إرجاء العالم الرومانى. ولما كانت الأرض الزراعية هى أساس الثروة فى مصر فإن معظم أفراد هذه الطبقة كانوا من صغار ملاك الأراضى الزراعية، وهم الذين اضطروا، فى ظل سعيهم لتنمية ثرواتهم وزيادتها أو فى ظل فاقة عارضة، إلى الاقتراض بالربا ومما يجدر بالملاحظة أن هذا النشاط بالذات كان معروفاً فى مصر منذ الغزو الفارسى الأول على الأقل. وتكشف عقود الإقراض النقدى الربوى عن قصة تحاور قوى بين الدائن والمدين، حيث سعى كل منهما إلى وضع شروط فى عقود الإقراض النقدى تضمن حقه. ولا حاجة هنا إلى تبيين مدى ضعف المقترض تجاه المقرض، ولا سيما أن عقود الإقراض كانت تضمن للدائن استعادة رأسماله مع الفوائد فى الموعد المتفق عليه، فضلا عن أنها كانت تضمن له فى حالة عدم سداد الدين، حصوله على ملكية العقار المرهون دون أدنى اعتراض من المقترض. هذا إلى أن تسجيل العقد فى مكتب التسجيل الحكومى كان يضمن للمدين استرداد عقاره المرتهن، عند سداد الدين، ويمنع دائنه من الطمع فيه وذلك على نحو ما كان يحدث أحياناً. بيد أن الضمانات الموثقة التى تعهد بها طرفا العقد كانت تخلو مما قد ينشِأ عنه نزاعات قضائية بسبب سوء الطوية الذى كان يلازم بعض الأطراف من الدائنين أو المدينين. والأمر الجدير بالملاحظة هو ما انبثق عن شيوع الأزمة الاقتصادية وانتشار الإقراض الربوى وتزايد حالات العجز عن السداد، نتج عنها انهيار الطبقة الوسطى وهى التى طالما ساورت أحلام أباطرة الرومان أنها سترفع عن كاهلهم عبء إدارة المحليات فى مصر.وقد تمخض مجرى الأحداث عن أمرين أحدهما هو تحول الملكيات الزراعية الصغيرة إلى إقطاعات ضخمة بدلاً من أن تتحول إلى بلديات، والأمر الآخر هو تحول أرباب هذه الإقطاعات إلى سادة مطلقى التصرف فيها، فإنبروا إلى تشكيل مليشيات تابعة لهم لحفظ الأمن والنظام وتصريف شئون القضاء وإصدار العملة محلياً. وقد كان من شأن ذلك أن تمتع هؤلاء السادة جميعاً بما كان يتمتع به إمبراطور القسطنطينية من سيادة وجاه فى عيون رعاياهم، ومن ثم فإن تبعية هؤلاء السادة أصبحت مقصورة على ما كانوا يدفعونه له من ضرائب.
مصر في عصر الرومان
جميع الحقوق محفوظة ©حسين محمد أحمد يوسف