حين رأى النحاة أن القواعد التي وضعوها أضيق من كلام العرب، وأنها أضحت قاصرة عن استيعاب كل النصوص المأثورة من شعر ونثر، كان عليهم أن يبحثوا عن مخرج ينجو بهم من هذا المأزق؛ فكان التأويل هو الملجأ الذي وجدوه للخروج من مأزق مخالفة النص للقاعدة النحوية. ولذا فإن ظاهرة التأويل في جملتها إنما جاءت لأمرين: الأول: عدم صدق القاعدة على بعض ما سمع . الثاني:حرص النحاة على تفسير كل ما سمع في ضوء الأصول والقواعد، إلا ما ندر أو شذ. وقد كان البصريون أكثر ميلاً إلى التأويل؛ إذ إن مذهبهم اتباع التأويلات البعيدة، رغبة منهم في المحافظة على الأصل النحوي، وعدم المساس به؛ أما الكوفيون فكانوا لا يجنحون إلى التأويل إلا إذا اضطروا إليه؛ إذ مذهبهم القياس على الشاذ . وهذه الدراسة هي دراسة تطبيقية على لغة الحديث النبوي الشريف من خلال كتب إعرابه المتمثلة في: إعراب الحديث النبوي لأبي البقاء العكبري (ت:616هـ) ، وشواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح لابن مالك (ت:672هـ) ، وعقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد للسيوطي (ت:911هـ) . وهدف الدراسة الوقوف على أهم أساليب التأويل التي اعتمد عليها النحاة للخروج من مأزق مخالفة النص للقاعدة النحوية؛ إذ بمعرفة هذه الأساليب نستطيع أن نبرهن للمشككين في لغة الحديث النبوي على أنها كانت وعاء للغة العرب، المشهور منها والنادر؛ فقد كان يخاطب كل قوم بلغتهم، وهو ما أثبتته النصوص الحديثية موضوع الدراسة، وغيرها من النصوص . وأهم هذه الأساليب: الحذف، والزيادة، والتقديم والتأخير، والحمل على المعنى ... إلخ. أما الحذف؛ فهو أكثر أساليب التأويل انتشارًا؛ إذ لا يكاد يوجد باب من أبواب النحو إلا يتصل به الحذف والتقدير في بعض جزئياته. وتحليل الأجزاء المحذوفة في الجمل يكشف عن حقائق مهمة في البحث النحوي. وأما الزيادة؛ فهي الجانب المقابل للحذف، وهي إنما يؤتى بها لا من أجل إحداث معنى، وإنما توكيدًا للكلام. وأما التقديم والتأخير؛ فهو الأسلوب الذي لجأ إليه النحاة لتأويل النصوص المخالفة لقواعد الترتيب. وأما الحمل على المعنى؛ فقد لجأ إليه النحاة لتأويل النصوص المخالفة لقواعد التطابق الكمي أو النوعي . إلى غير ذلك من الأساليب التي استخدموها ليحققوا مرادهم. والله من وراء القصد،،،
التأويل
جميع الحقوق محفوظة ©محمد أحمد عبد الفتاح عبد الحميد